هل يمكن أن يصبح رمضان علاج للمرض النفسي ؟
أصبح الإكتئاب و القلق ، من الأمراض النفسية الشائعة ، التي تؤرق حياة الكثيرين منا هذه الأيام ، وصحيح أنها غالبا لا تؤدى للموت .. لكنها تأخد من الإنسان معنى الحياة بشكل كبير ، و هذه ليست خسارة هينة أبدا .
و رمضان هدية من الله لنا ، لتعديل سلوكياتنا ، و تنقية نفوسنا و تقويمها ، و لكن يجب علينا أن نعي تماما كيف يمكننا إستغلال رمضان لتخطي الأزمات النفسية ، ليكون شهر عبادة ، و أيضا شهر للعلاج النفسي .
في البداية أود أن أشرح العلاقة بين الدين و الإيمان و بين المرض النفسي ، و لماذا يساهم الدين في الحد من ظهور هذه المشاكل :
مبدئيا الإنسان بشكل دائم، لديه خوف و قلق من المستقبل المجهول .. و هذا الخوف زاد عند كتير منا ، تبعا لتغير عادات المجتمع السريعة والأعباء المادية الحالية .
وبشكل أو بآخر على مر التاريخ ، يحتاج الإنسان لدعم نفسى على هيئة قوة عظمى ، يشعر ويؤمن بوجودها ، تحيطه بشعور الطمانينة ( الله عادل و موجود ، و لن يرضي بالظلم ) .
بمعنى إيمانه بوجود إله قادر عادل ومسيطر ، يستطيع تغيير الظروف طبقا لإرادته هو ، فى الوقت الذى يراه مناسبا ، ومن هنا يظهر معنى مصطلح ( ربنا) و(الإيمان) و(الرضا) و(النصيب) و(الدين) وكتير من المعانى المتقاربة ، فبذلك يطمئن الإنسان أكثر ، ويقل خوفه وقلقه من المستقبل ، لأنه علي ثقة من وجود رب يحميه من الشرور ، و هذا يزيد بزيادة درجة الإيمان .
لذلك أثبتت الدراسات الحديثة ، أن فى المجتمعات المتدينة تزيد الراحة النفسية ، و تقل الأمراض النفسية مثل الإكتئاب و القلق، مقارنة بالمجتمعات التي لا تعتمد الدين في حياتها .
أيضا رحمة ربنا بوجود التوبة ، و الغفران للذنوب ، و إيمان الشخص بها ، يساهم في تخلص الإنسان من شعوره، و إحساسة باليأس ، و تجدد له شعور التفاؤل ، و أمله في الغد ، مما يحسن الحالة المزاجية بشكل ملحوظ ، و تساعد الشخص بشكل كبير ، علي تخطي الأزمات ، و بداية صفحة جديدة من حياته .
نعود للسؤال الأساسي .. كيف يكون الصيام علاجا للمرض النفسي ؟
يجب أن نساعد المريض علي تخطي الأزمة ، و رمضان فرصة ذهبية لتخطي هذه المرحلة ، أو علي الأقل التحسن بشكل ملحوظ .. و ذلك بمساعدته علي التقرب لله ، و زيادة الجرعة الإيمانيه له قدر المستطاع ..
شهر رمضان عبارة عن فرصه ذهبية للتوبة ، و غفران الذنوب ، فبالتالي نشعر بالقرب أكثر من الله ..ويزيد شعور الامان والطمانينة ، بل لو كان بشكل صادق ، فيمكنه التغلب على المشاعر السلبيه للقلق ، و نجد تحسن ملحوظ ، والجميل هنا أنه سيظل دائم لفتره كبيرة فى حياتنا ، بل ربما تمتد لطول العمر ، لأن الذي تغير هو جوهر الإنسان ، و ليست مجرد تغييرات عابرة .
أيضا على المستوى الإجتماعى ، تزيد الفرصة للمشاركة في التجمعات الأسرية ، و زيادة الروابط العائلية ( و هذا بالغالب نفتقده طول العام ) هذا يعزز للإنسان إحساسه أنه ليس وحيد ، و أن الخير في الناس لازال موجود . مما يقوي شعوره بالأمان .
أيضا رمضان فرصة كبيرة للتخلص من إدمان السجائر او القهوة أو بعض أنواع المواد المخدرة ، فهي أول خطوة حقيقية للتغيير .
آخر نقطة أود التنبيه لها ، هى السلوك .. فللاسف بدأ يلاحظ فى الفترة السابقة القريبة إنفلات فى الأعصاب ، وعدم تحكم الشخص فيها ، .فاصبح الإنفلات والعصبية عادة تعودنا عليها .. ففى شهر رمضان المتوقع أنى أتعلم التحكم فى النزوات و الرغبات حتى المحلل منها ، فلو تفهمنا وحاولنا نغرس المعنى أننا المسيطرين على انفسنا ، يمكننا أن نتغير فعلا ، و يزيد قدرتنا علي السيطرة علي الإنفعالات بشكل كبير ..
كيف نحقق أكبر إستفادة في شهر رمضان ، للحصول علي الإتزان النفسي ؟
ترتبط النتيجة بدرجة كبيرة بما تحدثنا عنه ، عن الإيمان ، و الثقة بالله .. و بالتالي كلما كانت درجة الآيمان أقوي ، كلما كانت النتيجة أفضل .
1- تقوية الجانب الديني ، بالانتظام في الصلاة ، قراءة القرآن و الأهم تدبره و فهمه ، و هذا بالتأكيد يرفع الطاقة النفسية الإيجابية .. و تقبل مبدأ أن الجزاء الحسن يمكن تأجيله لكنه لا يضيع .. و أيضا الإيمان أن قربي من الله بالصلاة و العبادات سيساعدني علي تخطي العقبات ، و الأزمات في حياتي .
2- الإهتمام بصلة الرحم في رمضان ، الإنسان بطبيعته بحاجة لعلاقات إجتماعية ، بعيدة عن المصالح ، ، ليشعر بعدم الوحدة ، و الأمان .. و الإفطار في رمضان مع الأهل و الأصدقاء ، فرصه لتعزيز هذه المشاعر و العلاقات .
3- المشاركه و لو بجزء بسيط في إفطار صائم ، أو مساعدة محتاج .. فإحساس الفرد بأنه شخص إيجابي يستطيع التغيير فيمن حوله ، و سماعه لدعاء غيره له ، أثر نفسي لا يمكن تجاهله .
4- أتخاذ رمضان خطوة أولي مع النية المسبقة ، للتخلص من العادات السيئة ، مثل التدخين ، أو حتي الإدمان .. فالخطوة الأولي هي دوما الأصعب ، ووجود دافع ديني ، بجانب الدافع الداخلي يقوي الشخص ، و يساعده علي تحدي أي عائق امامه ، و الأهم هنا هي نيه الأستمرار في جهاد النفس حتي بعد رمضان ، لأنه بالفعل المرحلة الأصعب مرت وولت .
سؤال أخير .. هل المريض النفسي يحلل له الإفطار ؟
حلل الله الإفطار في ظروف المرض ، إذا كانت هناك مشقة أو خطورة علي حياة الإنسان ، و بالطبع هذا يشمل المرض النفسي ( الذي يشرف علي علاجه طبيب ) .. و لكن هذا يرجع بالأساس لتقدير الطبيب المعالج ، إذا لم يكن بإستطاعته تعديل الجرعات لتناسب مواعيد الصيام .